Women of Distinction

يعتقد كثير من الناس أن المرآة العربية المسلمة، لم تسهم أبداً في بناء الحضارة الانسانية، ولا دور لها في نشر العلم، وارساء قواعد القيم، بل ويعتقد الكثيرون أنه لا شأن لها في السياسة وابداء الرأي. فهي فقط للمتعة والفراش، ولا يجب أن ترى الدنيا الا بعين واحدة. وهذه المفاهيم من الطامات التي شلت حياتنا، وأخرت تقدمنا، وأصبح العالم يطالبنا بانصاف المرأة واعطائها دورها وحريتها في الحياة.

لو أننا أطلعنا على تاريخنا بانصاف، لأدركنا كم من النساء الخالدات اللواتي ساهمن في العلوم وبناء الحضارة، ونصرن النبوة وعلمَن الرجال معاني الرجولة والصبر على متاعب الحياة.. ومن هي فاطمة بنت محمد رسول الله صلى وعليه وسلم.

بنات رسول الله أربع، وهن على الترتيب زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، وكلهن من المثل الأعلى للنساء خديجة بنت خويلد.

ولدت فاطمة الزهراء رضى الله عنها وسلام الله عليها، بمكة المكرمة، قبل بعثة رسول الله بخمس سنين، وهي أصغر بنات رسول الله ، وكانت قريش تبني الكعبة، وكان عمر أبيها صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون سنة.

تربت فاطمة عليها السلام في بيت شرف، أم شهد لها أعيان مكة بالمكانة والغنى، والشرف، والتجارة والإسهام في تنمية المال، وتاجر النبي قبل النبوة بمالها، ولما رأت أمانته وكان يكنى بالأمين، خطبته لنفسها، وتزوجها رسول الله ، وهو الشريف الأمين، فاطمة عليها السلام من أم شريفة من بيت عريق، لها علاقة بخبر السماء (؟)، وابوها الأمين محمد خاتم الانبياء.

شهدت فاطمة منذ صغرها تطور الحياة بعد بعثة أبيها نبياً ورسولاً، وشهدت الاحداث العظام التي واجهت أبيها على يد كفار قريش، وبلغت من العمر خمسة عشر عاماً وهي في مكة، وتوفيت أمها خديجة رضى الله عنها، وواجه رسول الله بعد وفاة أمها من العنت والإيذاء ما كان يذيب قلبها، تزيل عنه الأذى ، وتواسيه كما كانت أمها تفعل، وهاجر رسول الله إلى المدينة المنورة، ولحقت بوالدها في المدينة،و كان عمرها ثمانية عشر عاماً أو تزيد قليلاً كما يقول المؤرخون..وشهدت في المدينة ذلك التوحد الرائع بين المهاجرين والأنصار، وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه قد لحق برسول الله مهاجراً إلى المدينة، وقد تقدم إلى خطبة فاطمة عليها السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت لها ياعلي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وشاور رسول الله فاطمة في علي وقال لها: يا فاطمة إن علياً يذكرك فهل ترضين فيه؟ فسكتت- والسكوت من البكر علامة الرضا- فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من علي رضي الله عنه بعد مرجعه من معركة بدر وذلك في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهراً من السنة الثانية من الهجرة.

كيف كانت حياة فاطمة عليها السلام مع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قد يتخيل البعض أن فاطمة أبنة محمد عاشت حياة الرفاهية لأن أبوها نبي، وأمها كانت غنية،وأن الأمر والنهي بيد والدها، وأن المسلمين بذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله. فلا بد أن تعيش حياة الترف، والدلال والنعومة ورغد العيش.

عاشت فاطمة عليها السلام عيشة الضنك، والقلة ، فكانت تطحن بالرحى حتى أثر ذلك في يدها، وحملت قربة الماء على ظهرها حتى أثر ذلك عليها، وكان علي رضى الله عنه يشفق عليها من ذلك، فقال لها: ياأبنة (يا ابنة)رسول الله، أنا اكفيك العمل خارجاً، وما عليك الا شؤون البيت... وهكذا تمر الأيام وفاطمة عليها السلام تحمل مع على عناء الحياة، ويتعاونان على بناء حياتهما، ولكن دولة الإسلام لا تزال في بدء التكوين، والحياة قاسية فلا بد لها من مشاركة وصبر.. وعلم علي رضي الله عنه أن النبي قد وسع الله وعلى المسلمين، فقال لها يا فاطمة : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً، فأتت والدها وجلست على استحياء، فعلم رسول الله أن في نفسها شئ ، فسألها قائلاً : ما جاء بك ايتها الحبيبة؟ قالت: جئت أسلم عليك. واستحيت أن تسأله ورجعت، وبعد أيام جاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله وقال: يارسول الله إن فاطمة قد أثرت الرحي في يدها ، وحملت القربة حتى أثرت في نحرها، وقد جاءتك تطلب خادماً، ولكنها استحيت منك، فقال له رسول الله: ياعلي ألا ترى أهل الصفة، ومن المسلمين ما تطوي بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم، والله لا أفعل ذلك والمسلمون جياع، فعاد علي إلى بيته، ولحقه رسول الله ، ودخل عليهما وهما في حال لا يعلمها إلا الله، فقامت فاطمة وقام علي أحتراماً لرسول الله، فقال لهما: لقد طلبتما مني خادماً، وقد أوحي إلي جبريل أن اعلمكما كلمات هن خير لكم من خادم، فقالا: وما هن يا رسول الله؟ فقال: تسبحان الله كل صلاة عشراً، وتحمدان الله عشراً، وتكبران الله عشراً فهن خير لكما من خادم.

وهكذا سارت الحياة بفاطمة وعلي، يعيشان كالناس سعة وقلة، وانجبت فاطمة الحسن رضي الله عنه، وانجبت الحسين، سيدا شباب أهل الجنة، وكان رسول الله ينزل عن المنبر وهو يخطب الناس، ويستقبل الحسن والحسين ويشمهما ويقول الحسن والحسين مني وأنا منهما، فمن أحبهما احبه الله ، ومن كرهما كرهه الله..وكان صلي الله عليه وسلم يركبها على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان انتما... وعندما نزل قول الله [يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً] كان يضع عليه السلام ردائه على فاطمة وعلى والحسن والحسين عليهم السلام جميعاً ويقول: هؤلاء هم أهل بيتي فمن أحبهم أحبه الله.. وكان يقول: الله الله في أهل بيتي ، ويذكر المسلمين بقول الله (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى).

وكان الرسول يعلم ماذا سيلحق بأهل بيته من الأذى، حيث قتل على مظلوماً، ومات الحسن مسموماًَ من زوجة خانته، ومات الحسين شهيداً على يد الطغاة من بني أمية، وتلك فاجعة في التاريخ يندى لها الجبين، ولكن الله يأبى أن تكون المنية للعظماء الا عظيمة... ولو شهدت فاطمة عليها السلام ما حل بابنيها وزوجها وأهل البيت من عترة رسول الله ، لذابت حشاشتها وامتد أساها،و لكنها توفيت بعد رسول الله بستة أشهر وقيل بثلاثة أشهر، وقد أخبرها رسول الله بأنها أقرب الناس لحوقاً برسول الله، وقد قال بعض المؤرخين أنها لحقت برسول الله بعد تسعة أشهر ولكن الثابت أنها عاشت بعد رسول الله ستة أشهر وكان عمرها عليها السلام خمساً وثلاثين عاماً.

ماذا حدث لفاطمة بعد وفاة رسول الله؟!

كانت عليها السلام أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله ، فكانت بليغة وشاعرة، صاحبة حجة، وكان رسول الله يحبها حباً شديداً، فإذا دخلت عليه قام اليها وقبلها وكانت تلصق به وتقبله، وقد قالت عائشة: ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها، عندما ثقل المرض برسول الله وتغشاه الموت، أخذت تقول: أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم...وأسلم رسول الله الروح لربه، ولما دفن، أقبلت فاطمة تبكي بحرقة، وقالت لانس بن مالك: ياأنس كيف طابت أنفسكم تحثوا على رسول الله التراب؟..ثم اخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينيها باكية وتقول:

ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها صبت على الايام صرن ليالياً

ومما ينسب إليها أنها قالت شعراً في موت رسول الله:

أغبر أفاق السماء وكورت شمس النهار وأظلم العصران

فالأرض من بعد النبي كئيبة أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها ولتبكه مفر وكل يمان

ياخاتم الرسل المبارك ضؤه صلى عليك ننزل القرآن

وتولى الخلافة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، فجاءته فاطمة تطلب إرث أبيها ولكنه أخبرها أن رسول الله قال: نحن معاشر الانبياء لا نورث وما تركنا صدقة فردت عليه تقول: إن الله يقول عن نبي من أنبيائه: يرثني ويرث من آل يعقوب، ويقول: وورث سليمان داود، فهذان نبيان ، وقد علمت أن النبوة لا تورث، وإنما يرث ما دونها، فمالي أمنع أرث أبي؟ أأنزل الله في الكتاب إلا فاطمة بنت محمد، هل هذا في القرآن؟ فاقتنع بما قالت.. ولكن نازع هذا الحق كذلك بنو أمية بعد موتها، وقد عارضت أبا بكر وعمر في أمر الخلافة، واسترضاها ابو بكر بعد أن توعدته بالدعاء عليه، وبقي يبكي ويقول، اقيلوني والله لا أرضى أن تغضب علي فاطمة ولا أحد من أهل بيت رسول الله، واسترضاها حتى رضيت عنه.

ولكن ما هي إلا شهور حتى التحقت برسول الله ولم تشهد مأساة زوجها وماسأة الحسن والحسين وكيف انقلب الأمر ملكاً عضوداً.

لقد صبرت، وأنجبت خيرة الشباب، وتزوجت خيرة الرجال، ولحقت بابيها في جنة الخلد والله يفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.

إلى جنة الله يا فاطمة... وهكذا هو مصير العظماء

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289