نورى المالكى، رئيس الوزراء العراقى.     

يقف العراق اليوم على أعتاب حقبة جديدة في تاريخه. غير أن العراقيين ما يزالون مطالبين بالصبر، إذ أن القوات الأمريكية المقاتلة ستبقى في بلادهم حتى نهاية 2011 بموجب اتفاقية وضع القوات المبرمة بين الحكومتين الأمريكية والعراقية. وفي ضوء وعد الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية بأن يسحب كافة القوات الأمريكية خلال 16 شهراً فإن بقاء هؤلاء لأي فترة أطول سيكون خيبة أمل للكثيرين من العراقيين. ذلك أنه ما دام هناك جندي أجنبي واحد على تراب بلادهم فلا يمكن وصفها بأنها دولة حرة أو ديمقراطية بالفعل. ومع ذلك فإن الانتخابات الأخيرة حملت معها بعض الأمل بمستقبل أفضل للعراقيين الذين عانوا طويلاً.

الواضح هو أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس (الذي استبقاه أوباما من حكومة بوش) وقادته العسكريين الميدانيين قد نصحوا الرئيس أوباما بعد التسرع في الخروج من العراق لأنهم يعتقدون بأن العراق ما يزال غير آمن. وفي المقابل فإن منتقدي بقاء القوات يقولون أن وجود الأمريكيين يطيل حالة العنف.

وهؤلاء ربما يكونون محقين ذلك أن قواعد القوات الأمريكية ما تزال هدفاً للمقاومة. وحتى اليوم بلغ تعداد القتلى بين الجنود الأمريكيين 4255 قتيلاً وفي هجوم واحد للمقاومة في الموصل في فبراير الماضي سقط سبعة جنود أمريكيين قتلى على الأقل. وبقدر ما أصبح العراقيون تواقين لرؤية رحيل المحتل الأمريكي فإن الشعب الأمريكي تعب أيضاً من النعوش العائدة ملفوفة بالعلم، كما أنه غير مستعد في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لرمي المزيد من المال نحو العراق فوق قرابة 3 تريليونات دولار سبق وقد أنفقتها الولايات المتحدة على الحرب هناك حتى الآن.
 
ناخب عراقى شاب يعرض الدمخة الحمراء على اصبعه دليلأ على ادلأية بصوته فى الانتخابات.
 
نساء عراقيات ينتظرن الدخول الى مقر الانتخابات.
 
الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان يصافح عبد العزيز الحكيم

ومن التطورات الإيجابية الأخيرة هو أن عدد المعتقلين العراقيين لدى الأمريكان قد انخفض إلى 14 ألفاً مقارنة مع 27 ألفاً في 2007 ولم يعد بمقدور الأمريكيين اعتقال المشتبهين دون توجيه اتهام لهم. كما أصبح الجيش الأمريكي اليوم بحاجة للحصول على مذكرة يصدرها قاض عراقي للسماح بتفتيش البيوت فيما أصبح من يسمون "المتعاقدين" الأجانب خاضعين للقانون العراقي. كما أن الشرط الأخير ينطبق أيضاً على القوات الأمريكية خارج قواعدها أو خارج أوقات الخدمة. غير أن المشكلة هي أن الجيش الأمريكي هو الطرف الذي بمقدوره أن يحدد عملياً إن كان أي جندي خارج وقت الخدمة وهو ما يزعج البعض.

وعلى جانب آخر ما يزال السؤال عن احتمال وجود قواعد أمريكية دائمة في العراق معلقاً دون إجابة نهائية. المؤكد هو أن الرئيس السابق جورج بوش قد خطط لوجود أمريكي في العراق شبيه بذاك في كوريا الجنوبية. غير أن مجلس النواب الأمريكي أقر في يوليو 2007 قانوناً يحظر الإبقاء على قواعد أمريكية دائمة في العراق ويؤكد على أن السياسة الأمريكية لا تتضمن ممارسة السيطرة على موارده النفطية. ووقتها قالت رئيسة المجلس نانسي بيلوسي:

"إن نتيجة التصويت اليوم توضح مرة أخرى للرئيس وللأمريكيين وللشعوب في الشرق الأوسط وللشعب العراقي أن الشعب الأمريكي يعارض وجوداً عسكرياً دائماً في العراق." ومن غير المحتمل أن ينكص الرئيس أوباما عن تأييده لهذه المواقف ويصطدم بالتالي مع صديقته ونصيرته بيلوسي ومع قاعدته الانتخابية اليسارية.

إذا ما قدر لآخر جندي أجنبي أن يرحل عن العراق وانتهت احتفالات العراقيين بهذا الرحيل، سيجد الشعب العراقي نفسه في مواجهة تحد جديد. هل بمقدور العراقيين أن يعودوا مجدداً شعباً عراقياً موحداً بغض النظر عن الدين أو العرق أو الطائفة؟ هل سيكون بمقدورهم التعالي على الجراح والضغائن بما يكفي ليتسامحوا إن لم يكن لينسوا؟

نعم بالفعل، كيف يمكن لهم أن ينسوا تماماً أكثر من مليون من أهلهم لن يكتب لهم رؤية بلدهم يخرج عن نير الاستبداد؟ يكاد يكون لكل عراقي قريب أو صديق قتيل. يكاد يكون كل عراقي عاش سنوات من الخوف والتوتر. يكاد يكون كل عراقي يعرف عائلة من بين 2.2 مليون عراقي فروا من بلدهم ليصبحوا لاجئين أو من بين 2.7 مليون عراقي نزحوا عن ديارهم داخل البلاد. يكاد يكون كل عراقي مضطراً للتعايش مع كوابيسه.

هل بمقدورهم وضع هذه السنوات الست وراء ظهورهم للمضي قدماً متضامنين؟ إنه سؤال يمكن للزمن وحده أن يقدم الإجابة عليه. من الجدير بنا أن نتذكر هنا أن الكثيرين منا في المراحل الأولى من الصراع كانوا يتوقعون ألا يعود بمقدور العراقيين العيش معاً بسلام بعدها أبداً، بمن فيهم نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي دعا في 2006 لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق شبه مستقلة ذاتياً، شيعية وسنية وكردية، مع حكومة مركزية في بغداد فيما كان هناك من ينادون بحلول أكثر راديكالية مثل تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة بالكامل.

غير أن بلقنة العراق لن تحدث لحسن الحظ على الرغم من أن ذلك سيضع حداً لأحلام بعض الأكراد الذين أرادوا دولة كردية في شمال العراق. غير أن أكراداً آخرين هم أكثر براغماتية ويعرفون أن مثل هذه الدولة ستكون هدفاً لاستياء العراقيين وهجمات الأتراك الذين سيعتبرونها نقطة بداية خطرة عليها للانفصاليين الأكراد لديها.

هناك مؤشرات على أن الشعب العراقي آخذ في العودة للتماسك. انتخابات المحافظات التي أجريت في 31 يناير الماضي أعطت فوزاً ساحقاً لحزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي على نحو همش المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الشيعي المتشدد بقيادة عبد العزيز الحكيم. وهذا يثبت أن معظم العراقيين الشيعة يفضلون حكومة أكثر علمانية ووطنية خصوصاً وأن المالكي طالما كان من أنصار وحدة العراق.

ومن النجوم الصاعدة الأخرى في سماء السياسة العراقية حزب الحدباء السني العربي الذي تتركز قاعدته الشعبية في الموصل ومحيطها بزعامة رجل الأعمال البارز أثيل النجيفي الذي يتبنى أراء وطنية علمانية. وقد قال إن على كل الناس الذين خرجوا ليصوتوا ضد الوضع الراهن والأحزاب الكردية يجب أن يفهموا هذا الواقع. كما كانت المشاركة السنية في هذه الانتخابات أكثر بكثير من مشاركتهم في الانتخابات السابقة بما يعكس رأياً عاماً سنياً يقبل بأن هناك أكثرية شيعية (يعتقد بأنها تصل إلى 60% من السكان) غير أنها تطالب بدور فعلي شؤون في البلاد.

وينبغي التذكير هنا بأن العراق ظل بلداً علمانياً حتى الغزو الأمريكي في 2003. وقبل حملة الصدمة والرعب تلك التي شنتها الولايات المتحدة، كان الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيون يعيشون في سلام نسبياً غلى جانب بعضهم البعض جيراناً وأصدقاء وزملاء. بل إن الشيعة السنة كانوا غالباً ما يزورون أماكن العبادة لبعضهم البعض معاً. وعلى الرغم من أنه يمكن القول أن نظام الرئيس صدام حسين كان يفضل السنة في المناصب العليا وأنه لم يسمح بالمظاهر الدينية بأعداد ضخمة للشيعة فإن المجتمع العراقي لم يكن طائفياً.

ليس هناك من شك في أن الانقسامات التي نراها اليوم قد اصطنعتها إلى حد كبير القوات آخر لمحتلة ووسائل إعلامها على نحو ما كان يفعله المحتل البريطاني من سياسة فرق تسد. فقد كانوا يحرضون صفاً ضد الصف الآخر ونجحوا في ضرب الانقسامات بين الطوائف والعشائر. كما كان الذنب ذنب الاحتلال في تحويل العراق مقصداً للقاعدة وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي لم تكن موجودة في العراق قبل الغزو.

الآن يتعين على العراقيين أن ينظروا للمستقبل ونصب أعينهم المسامحة والمصالحة على نحو ما شهدته جنوب إفريقيا لأنهم كلهم لم يكونوا سوى بيادق في لعبة جورج بوش التي يقودها المحافظون الجدد. تتوفر في العراق اليوم كل المتطلبات ليعود للازدهار من جديد فلدى البلاد احتياطي نفطي يبلغ 115 مليار برميل من النفط فيما كبريات شركات النفط تواقة لدخول البلاد حالما تحصل على ضمانات بخصوص سلامة وأمن موظفيها.

حالياً يعاني الاقتصاد العراقي نتيجة لأسعار النفط التي تراجعت لحوالي 40 دولاراً للبرميل بعد أن قاربت 150 دولار أواسط العام الماضي كما أن المالكي حريص على تنويع الاقتصاد لتقليص الاعتماد على النفط والمشتقات النفطية. غير أن صندوق النقد الدولي قد قال في ديسمبر 2008 إن التنمية الاقتصادية في العراق "مشجعة."

ولا شك في أن سوق الأسهم العراقية التي تأسست في 2004 بما لا يتجاوز 15 شركة كانت قصة نجاح. واليوم تزيد الشركات المدرجة في هذه السوق عن 100 شركة وهي واحدة من بين بضع بورصات في العالم لم تتأثر بالانكماش الاقتصادي العالمي.

كما ليس هناك من شك في أن جودة الحياة آخذة بالتحسن لمعظم العراقيين بقفزات كبيرة. وربما يأتي اليوم الذي يصبح فيه العراق دولة قدوة لباقي دول المنطقة. ولكن العراقيين وحدهم هم من سيكون بمقدوره الإجابة عن هذا السؤال: "هل ما حدث هو رب ضارة نافعة؟"
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289